التغير الاجتماعي الايجابي والسلبي

والتغير الاجتماعي يعد طبيعياً في ديمومة المجتمعات ما دامت على قيد الحياة ، الا انه يوجد نوعان من التغير الاجتماعي هما (السلبي والايجابي) ، فالتغير الايجابي : يشير الى حالة صحية لكونها مقصودة محلياً ومخططاً لها مسبقاً ، فتؤدي بالمجتمع الى التطور والتقدم والرقي والرخاء ، وحينها سيدخل ذلك المجتمع دائرة التحضر Urbanization او الحداثة

Modernization ، ان هذا الوضع قد يعد حالة مهذبة للقيم والتقاليد الاجتماعية بهدف تحسينها نتيجة توظيف العقل الناقد الماحي لكل انماط التفكير الخرافي ، وبذلك لن تتم الاساءة الى اصالة الهوية الحضارية والاجتماعية ، لان جوهرها مصان لكن سبل التعبير عنها يصبح اكثر موضوعية وبذلك سيكون المجتمع اقدر على التكيف الواعي مع التغيرات العالمية المعاصرة .

اما التغير السلبي ، فقد تؤدي بالمجتمع الى حالة من التكرار دون تجديد مبدع تسبب فيه التخلف الحضاري Cultural cab ، فيزداد احتمالية تبعيد ذلك المجتمع للضغوط الخارجية مما يسيء الى قيمه ومبادئه .

ومما يزيد من خطر التغير الاجتماعي هو نمط التغير السريع ، الذي يشق تيار المجتمع الى ثلاثة اتجاهات (يكون اكثرها تميزاً اتجاهي (التطرف والتلوث)

إذ يتشكل اتجاه قوي لـ(التطرف) نتيجة الخوف من المجهول وفقدان المركز والسلطة فضلاً عن تهديد للعلاقات الاجتماعية القائمة وترسيخ المصالح الذاتية ، لذلك فهي ترفض أي نمط للتغيير بهذا الشكل السريع .

اما الاتجاه الثاني والاكثر تميزاً ايضاً فهو (اتجاه التلوث النفسي) الذي يتعجل التغيير نتيجة تذمره من واقعه التقليدي ، وفي هذا الشأن يصف (دانييل ليرنر D . Lerner) مثل هكذا وضع بالقول : ” ان ما يصبو اليه الشرق الاوسط هو ان يصبح غداً حيث هو الغرب اليوم .. وهذا مستحيل ” . ويضيف (ليرنر) : ” ان المجددين في الشرق الاوسط يريدون ان يحققوا خلال بضع سنوات ما حققه الغرب في عدة قرون ” ، ” كما ان سبب الفوضى المنتشرة في الشرق الاوسط اليوم هو انتقال فكرة الحداثة من صالونات باريس وامثالها الى محطات الاذاعة ووسائل الاعلام الجماهيرية .

اما الاتجاه الثالث فهو الاضعف ويمثله (اتجاه التقدم) الذي يبقى مُهدداً نتيجة تصارع اتجاهي (التطرف والتلوث) – والتي سنتناولها بالتفصيل في الفصل الثاني – من جانب آخر حاول كل من (ملكولم و مكفارلن Malcilm & Mcfarlan) تشخيص ثلاثة انواع للتغيير الاجتماعي اطلق عليها بـ(الهزات الحضارية) ، وهي كالاتي:

النوع الاول : وتعرف بالهزات البسيطة Tremors التي تتعلق بالمودة او التقليعة ، وغالباً ما تأتي بها الاجيال المتعاقبة ، وتستمر هذه التقليعة مدة لاتزيد عن عشر سنوات .

لنوع الثاني : وتعرف بالهزات الكبيرة Displacements التي تمتاز بالتحولات العميقة والواسعة التي تخلفها وراءها . وغالباً ما يستمر تأثيرها مدة طويلة تقاس بالقرون .

النوع الثالث : وتعرف بالمدمرة او الكاسحة Cataclysm التي تقوض البناء الحضاري برمته وتحيله الى اكوام من الانقاض ، كما حصل للعديد من الحضارات المنقرضة والمنسية .

اما عوامل التغير الاجتماعي فهي عديدة ، يمكن ايجازها بالاتي :

  1. العامل التكنولوجي : كدخول اختراع او صناعة جديدة .
  2. العامل السكاني : نتيجة الزيادة السكانية سواء اكانت طبيعية ام وافدة بسبب عامل الهجرة اليها .
  3. العامل الثقافي ، فإنتشار (المدرسة) مثلا كانت لها اهمية في احداث التغيير ، إذ يذكر ” ان المدرسة هزت اركان البناء الاجتماعي التقليدي والقبلي واسهمت في تكوين انماط سلوكية جديدة في المجتمع ” .
  4. عامل القيادة العظيمة (الكارزما) : الذي يحمل على عاتقه مهمة النهوض بالمجتمع نحو الافضل .
  5. عوامل الاحتكاك الحضاري : ويحدث نتيجة الانفتاح والتفاعل الحضاري بين المجتمعات ويطلق على هذا النوع من الاحتكاك مفهوم (التثاقف Acculturation) ويقصد به التفاعل الثقافي المباشر الذي يحصل بين المجتمعات المختلفة

 .

  1. العامل الجغرافي : نتيجة توسيع استثمار الاراضي .
  2. الطوباوية : وتمثل الرغبات والحاجات الاجتماعية التي تتطلع نحو مستقبل افضل.
  3. عامل التنظيمات الاجتماعية : كالاحزاب السياسية والنقابات المهنية والعلمية والنوادي الاجتماعية والثقافية …
  4. العامل الاقتصادي : إذ ان سعادة الانسان متوقفة على عدة عوامل ومن ابرزها العامل الاقتصادي ، في حين ان المعايير (قد) تختل اذا ما حصلت ازمة اقتصادية – كالتي حصلت في المجتمع العراقي خلال فترة العقوبات الاقتصادية (الملا ، 2003 ، ص: 8-9) .
  5. عوامل الثورات والحروب : فهي اما ان تعزز قيم المجتمع ومبادئه او تدمرها ، ففي دراسة (روز ، 1980) شملت (15) دولة توصلت فيها الى ان انخفاض الاعتزاز الوطني وما يرتبط به من قيم اجتماعية كانت في الدول التي تعرضت للهزيمة في الحرب وان الدول المنتصرة كان مواطنوها يشعرون بالزهو والاعتزاز بوطنهم.
x