نظرية التعلم الاجتماعي البورت باندورا - The Social Learning Theory Albert Bandura

نظرية التعلم الاجتماعي البورت باندورا – The Social Learning Theory Albert Bandura

اولا : حياة باندورا في سطور :

جاءت نظرية التعلم الاجتماعي لتضيف بُعدا جديد لكيفية التعلم. إن أول من قدم هذه النظرية هو (البرت باندورا) ولد عام 1925م في قرية صغيره تدعى موندرا بولاية البرتا الكندية لأبوين بولنديين من مزارعي القمح. و على الرغم من ان والدية لم يحصلا على اي تعليم نظامي الا انهما يقدران العلم تقديرا عاليا . قفام و الده بتعليم نفسه القراءات باللغات البولندية و الروسية و الالمانية .

 إلتحق باندورا بمدرسة ثانوية وكان عدد طلبتها 20 و عدد مدرسيها 2 (مدرسة ذات الفصل الواحد). نتج عن هذا الجو الاجتماعي أن بدأ يتعلم بنفسه ومع زملاءه، وهذه الفترة من التعلم الذاتي أثرت على تكوينه العلمي هو وزملائه حيث تقلدوا جميعاً مواقع هامة و تخرجوا والتحقوا بمهن رفيعة المستوى. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة كولمبيا عام 1949 ثم واصل دراسته العليا في جامعة ايوا وحصل على الماجستير والدكتوراه 1952 من قسم علم النفس، عمل بمركز ويشيتا- كنساس للارشاد، ثم انتقل للعمل في قسم علم النفس في جامعة ستانفورد .

كان باندوا غزير الانتاج العلمي حيث نشر عددا ضخما من المقالات و الدراسات و البحوث في المجلات العلمية المتخصصة ، وكتب كتابا عنوانه ( عدوان المراهق ) عام 1963 بالتعاون مع ريتشارد وولترز اول طالب اشرف عليه باندورا . ثم نشر كتاب عن ( مبادى تعجيل السلوك ) عام 1969 و كتاب ( نظرية التعلم الاجتماعي ) عام 1971 و اعادة نشره عام 1977 تناول فيه تصور نظري دقيق لنظرية التعلم الاجتماعي المعرفي .

حصل على الجائزة التقديرية كعالم متميز من الجمعية الامريكية لعلم النفس 1972 و في سنة 1973 تم انتخابة رئيسا لرابطة علم النفس الامريكية .التي فما بعد منحته جائزة التميز العلمي عام ( 1980).

عمل لمدة (25 عام )  بتدريس مقررين بجامعة ستانفورد هما ( سيكولوجية العدوان ) و ( سيكولوجية الشخصية ) لطلاب البكالوريوس وطلاب الدراسات العليا .

بدأ باندورا برنامجاً للبحث التجريبي يستهدف دراسة اثر التعلم الاجتماعي بالملاحظة والتقليد على السلوك العدواني للأطفال . وانتهى هذا البحث في (1970) بنتيجة هامة مؤداها ان هناك تأثيراً للعنف في التلفزيون على سلوك الاطفال الصغار . وفي الوقت الذي كان يطبق بحثه كان يتحقق بالتجربة من المفاهيم الرئيسية لنظرية التعلم الاجتماعي .

   وفي المجال العلاجي طور باندورا واختبر اتجاهه الفريد في تعديل السلوك الذي يقوم على فنية النمذجة (Modeling ) ثم وجه اهتمامه الى دراسة اثر فعالية الذات المدركة على إثارة الخوف وعلى القدرة على مواجهة المواقف المهددة . وخلال سنوات بحثه وبناءه للنظرية اكد باندورا على دور العوامل المعرفية في تنظيم السلوك ولذلك اصبح اتجاهه السلوكي اكثر عقلانية ومنطقية بالمقارنة بأحد روادها مثل سكنر.

ولقد لعبت الصدفة دورا كبيراً في حياة باندورا وعلى الرغم من ان الكثير من الامثلة التي عرضها في كتابه عن المصادفات في الحياة الواقعية الا انه يوضح ايضاً ان المصادفة انما هي عامل واحد فقط من العوامل المؤثرة في حياة الناس . بل ان قدرتنا تقريباً دائماً  مسيطرة على حياتنا اعتقاد ينعكس في احد اقوال باندورا المأثورة ” لاتأتي المصادفة الا للعقل المستعد لها” . ( الجبوري و المعموري ،2017 )

اجريت دراسة علمية عام (2002) صنف باندورا كرابع اكثر عالم نفس يتم الاستشهاد به على مر الزمن بعد ( سكنر و سيجمون فرويد ، جان بياجية ) ووصف كواحد من علماء النفس الاكثر تأثيرا على مر الزمن . فاز باندورا بجائزة ( جرويماير ) في علم النفس عام 2008 . وحصل على جائزة قلادة العلوم الوطنية 2014 . (الموسوعة الحرة )   

 نظرية التعلم الاجتماعي ( باندورا )

تسمى نظرية باندورا بنظرية التعلم الاجتماعي( بالملاحظة ) وهي  نوع من المزج والتأليف بين نظرية التعزيز السلوكية وعلم النفس المعرفي . ونظرية باندورا تستند إلى بحوث مكثفة أجريت على السلوك الإنساني وتستخدم  المصطلحات السلوكية والإنسانية لكي تشرح الوظائف السيكلوجية على أساس من التفاعل المتبادل المستمر بين المحددات الشخصية والمحددات البيئية وتؤثر البيئة في السلوك لكن سلوك الفرد بدوره يحدد جزئياً بيئته  .

 وركز باندورا في هذه النظرية على التقليد ( النمذجة Modeling) وهو : ملاحظة نموذج معين ثم تقليد سلوكه ويصعب حصر هذا النموذج في شخص معين . و من اشهر الدراسات التي تناولت النمذجة ، الدراسة التي قام بها باندورا و زملاؤه على السلوك العدواني عند الاطفال .

بعد اجراء المعالجة وعرض النماذج المختلفة على أفراد المجموعة المعالجة جميعها , تم وضع كل طفل من الأطفال هذه المجموعات في وضع مشابه للوضع الذي لاحظ فيه سلوك النموذج , وقام عدد من الملاحظين بملاحظة سلوك الأطفال عبر زجاج النافذة ذي اتجاه واحد, وتسجيل الاستجابات العدوانية الجسدية واللفظية التي أداها  أطفال المجموعات المختلفة ,ثم استخرجوا متوسط استجابات كل مجموعة على حدة , فبلغ متوسط الاستجابات العدوانية للمجموعة الأولى 183 استجابة, وللثانية92 استجابة , وللثالثة 198 استجابة ,وللرابعة 52استجابة , وللخامسة42 استجابة.

وتبين نتائج  هذه الدراسة أن متوسط الاستجابات  العدوانية للمجموعات الثلاث الأولى التي تعرضت للنماذج العدوانية , يفوق كثيرا متوسط استجابات المجموعة الرابعة (الضابطة) التي لم تتعرض لمشاهدة النموذج . كما تبين النتائج  أن متوسط استجابات المجموعة الخامسة ، التي تعرضت لنموذج مسالم وغير عدواني ، أقل من متوسط استجابات المجموعة الرابعة. (العتوم و اخرون ،2008 :117)

 الملامح الأساسية لنظرية باندورا لتعلم الاجتماعي

1- تؤكد نظرية التعلم الاجتماعي القائم على الملاحظة لباندورا على التفاعل الحتمي المتبادل والمستمر للسلوك , والمعرفة , والتأثيرات البيئية .

2- تؤكد هذه النظرية على أن السلوك الإنساني ومحدداته الشخصية والبيئية تشكل نظاماً متشابكاً من التأثيرات المتبادلة والمتفاعلة ، ولا يمكن إعطاء أي من هذه المحددات الرئيسية الثلاثة أية مكانة متميزة على حساب المحددين الآخرين.

(ابو علام ،2010: 727 ) (schunk,1999  )

3- يرى باندورا أن معظم أنماط السلوك الإنساني لا تكون محكومة بالتعزيزات الفورية الخارجية التي يؤكد عليها السلوكيون الكلاسيكيين أو السلوكية الردايكالتية ( واطسون ، سكنر ، ثورندايك) ، إنما هناك خبراتهم السابقة حيث تتحدد توقعات الناس في ضوء هذه الخبرة ، وأن أنماطاً معينة من السلوك تؤثر على قيمهم ، وأن أنماطاً أخرى تحدث نتائج غير مرغوبة كما قد يكون تقدير الناس لبعض الأنماط أكثر إيجابية . ومن ثم فإن سلوكنا على هذا النحو يتحدد إلى حد كبير بآثاره المتوقعة المبنية على خبرات الفرد الماضية . ويعتقد باندورا أن الأنماط الجديدة من السلوك يمكن أن تُكتسب حتى في غياب التعزيز الخارجي ، حيث تكتسب العديد من أنماط السلوك من خلال ملاحظة سلوكيات الآخرين والنتائج المترتبة عليها ، وكذا أنماط تفاعلهم مع المتغيرات والمثيرات البيئية ، وهذا ما يؤكد عليه باندورا وهو التعلم بالملاحظة أو الاقتداء بالنموذج أكثر من التعزيز المباشر ولعل هذه الخاصية تشكل أهم ملامح نظرية باندورا للتعلم الاجتماعي القائم على الملاحظة .

4- ومن المحددات الهامة التي تميز نظرية التعلم الاجتماعي والتي أشار إليها باندورا خاصية تنظيم أو ضبط الذات وهو خاصية ينفرد بها الإنسان عن طريق ترتيب المتغيرات البيئية الموقفية وابتكار أو خلق أسساً معرفية وإنتاج الآثار المرغوبة التي يمكن اشتقاقها من هذه المتغيرات البيئية الموقفية . لذلك فإن طاقتنا أو قدراتنا العملية تكون مشغولة بالتفكير الرمزي الذي يمدنا بالطرق والوسائل والأساليب والإستراتيجيات التي تمكننا من التعامل المستمر والناجح مع البيئة .

5- تؤكد هذه النظرية على أهمية الادراك السليم و التعزيز الداخلي والعمليات الواعية في الانسان وربطها مع الموقف.

المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في النظرية

1- التعلم الاجتماعي Socail Learing : يقصد بالتعلم الاجتماعي عند باندورا اكتساب الفرد أو تعلمه لاستجابات أو أنماط سلوكية جديدة من خلال موقف أو إطار اجتماعي .

2- التعلم بالملاحظة أو النمذجة Learning Modeling or obsrvational: هو تعلم الأنماط السلوكية الجديدة عن طريق ملاحظة سلوك الآخرين أو من خلال ملاحظة النماذج ويسمى في هذه الحالة التعلم القائم على الاقتداء بالنموذج .

3- التنظيم أو الضبط الذاتي Self-control or self-regulation: هي قدرة الفرد على التنظيم أو الضبط الذاتي لسلوكه في علاقته بالمتغيرات البيئية المستدخلة في الموقف ، وبمعنى آخر تكييف سلوكه وبنائه المعرفي وعملياته المعرفية والمتغيرات البيئية بصورة متبادلة ومتفاعلة .

4- العمليات المعرفية Cognitive precesses: تأخذ العمليات المعرفية عند باندورا شكل التمثيل الرمزي للأفكار والصور الذهنية وعمليات الانتباه القصدي والاحتفاظ التي تتحكم في سلوك الفرد في تفاعله مع البيئة كما تكون محكومة بهما أيضاً .

5- الحتمية التبادلية Reciprocal determism: يقصد بالحتمية التبادلية عند باندورا التفاعل الحتمي المتبادل ذو الاتجاهين بين الفرد و البيئة كسببين معتمدين على بعضهما البعض ومتفاعلين ومنتجين للسلوك . ( الزيات ،2004 , 364-365 ) (ابو علام ،2010: 727 )

 

العمليات المتضمنة في التعلم بالملاحظة

   يحدد باندورا أربع عمليات يتم من خلالها التعلم بالملاحظة  وهي:

  • عمليات الانتباه Attention Processes

يعتبر الانتباة شرطا لحدوث عملية التعلم والاكتساب ، اذ بدون توفر هذا العامل لا تحدث عملية التعلم . و يتوقف الانتباة على توفر عدد من العوامل منها ما يتعلق بخصائص المثيرات و البعض الاخر يرتبط بخصائص الفرد و مستوى الدافعية لديه . و يتوقف الانتباه على مجموعة عوامل منها :

  • العوامل المرتبطة بالنموذج و التي تتمثل في خصائص مثل المكانه و الشهرة و السلطة و الجاذبية . فالنماذج التي تمتاز بمثل هذه الخصائص عادة تجذب انتباه الاخرين لما تعرضه من انماط سلوكية .
  • درجة التشابة بين الفرد و النموذج : تزداد فرصة الانتباة للانماط السلوكية التي يعرفها النموذج في حالة وجود خصائص مشتركة تربطه بالاخرين كالجنس و المستوى العلمي و البيئة الثقافية و بعض الخصائص الشخصية كالميول و الاهتمامات و الاتجاهات .

ج . قيمة و اهمية السلوك الذي يعرضه النموذج ، يزداد الانتباه لسلوكات النماذج التي تبدو ذات قيمة و اهمية بالنسبة للاخرين .

2- عمليات التذكر Memory Processes

   يتذكر الفرد أعمال وأقوال النموذج عندما يلاحظ سلوكيات شخص ما بدون الاستجابة في نفس اللحظة ، فأنت قد تقوم بها من أجل أن تستخدمها كدليل وموجه للتصرف والسلوك في مناسبات قادمة . وهناك شكلان أساسيان من الرموز التي تسهل عملية التعلم بالملاحظة هما : ( اللفظي ، التخيلي ) ، ومعظم العمليات المعرفية بالنسبة للراشدين التي تتحكم في السلوك لفظية لا بصرية . والعلامات والتصورات الحيوية تساعد في عملية التمسك بالسلوكيات مدة أطول . والبروفة تعتبر عاملا مساعدا وهاما للتذكر حيث أنه في حالة عدم القدرة على أداء السلوك آنيا ، فمن الممكن القيام به ذهنيا . والمستوى الأعلى للتعلم بالملاحظة يظهر عندما يطبق السلوك المقلد رمزيا وبعد ذلك يقوم بتطبيقه فعليا . 

3- عمليات حركية Motor Processes

  وهي الميكانيزم الثالث للتقليد يتضمن عمليات ، فمن أجل أن نحاكي نموذجا معينا يجب أن نحول التمثيل الرمزي للسلوك إلى تصرفات مناسبة . و هذه العمليات الحركية  تتضمن أربع مراحل فرعية هي : ( التنظيم المعرفي للاستجابة  ، بداية الاستجابة ، مراقبة الاستجابة ، تصفية وتقنية الاستجابة ) ومن أجل أداء نشاطا ما يكون هناك اختيار وننظم للاستجابة على المستوى المعرفي حيث يقرر ماهية النشاط نقوم ثم تبدأ الاستجابة بناء على فكرة كيف يمكن أن تنفذ هذه الأشياء ، والقدرة على القيام بأداء هذه الاستجابة جيدا يعتمد على المهارات الضرورية لتنفيذ السلوكيات والعناصر التي تضمنها النشاط . إذا كانت متوفرة المهارات المطلوبة يكون من السهل تعلم مهام جديدة وعندما تكون هذه المهارات مفقودة فمعنى ذلك أن الت المطلوب لهذا النشاط سيكون ناقصا لذا يجب تطوير  المهارات الضرورية قبل أداء النشاط . والمهام المعقدة مثل قيادة السيارة يتم تقسيمها إلى أجزاء وعناصر عدة ، كل جزء مقلد ومطبق بصورة منفصلة وبعد ذلك يضافون ويجمعون على بعضهم البعض . وعند البدأ في أداء بعض الأنشطة لا نجيدها في البداية حيث تكثر الأخطاء مما يتطلب إعادة للسلوك وعمل التصحيحات حتى يمكن تكوين النموذج أو فكرة عنه . وأحيانا من الممكن التصرف كما لو كنا نقادا لأنفسنا ، نراقب سلوكياتنا ونزودها بتغذية رجعية …. الخ . والمهارات التي نتعلمها  من خلال التعلم بالملاحظة تصبح متكاملة بالتدريج من خلال عملية المحاولة والخطأ نحن نتبع سلوك (القدوة) وبعد ذلك نبحث عن تحسين تقديراتنا من خلال التغذية الرجعية والانسجام.

4- العمليات الدافعيةMotivation Processes

ان نظرية التعلم الاجتماعي تعمل تمييزا بين الاكتساب ( ما تعلمه الشخص ويستطيع القيام به ) والأداء ( ما يستطيع الشخص بالفعل القيام به )  ان  الناس لا يقومون بكل شيء يتعلمونه  هناك احتمال كبير أن ندخل في سلوك مقلد إذا كان ذلك السلوك يؤدي إلى نتائج قيمة واحتمال ضعيف بتقليد ذلك السلوك إذا كانت النتائج عقابية . ويمكن أن ندخل في عملية تعزيز ذاتي ، ونكون استجابات تقييميه تجاه السلوك الخاص وهذا يقود إلى مواصلة الدخول في سلوكيات مرضية ذاتيا حيث نرفض السلوكيات التي لا نحبها ولا نرتاح لها . ولا يظهر سلوك بدون باعث فالدافع الصحيح ليس فقط القيام بالأداء الفعلي للسلوك لكن أيضا التأثير في العمليات الأخرى التي تدخل في التعلم بالملاحظة . عندما لا نحفز لتعلم شيء ما قد لا نعيره اهتماما ، حيث لا نرغب في ممارسة أنشطة تتطلب مجهودا كبيرا . وعددا من السلوكيات المقلدة تظهر بسرعة تجعلها سهلة في البحث عن العمليات التي تشكل أرضية للتعلم بالملاحظة . فقدوة الأطفال تتكون في الغالب من تقليد فوري لكن مع الكبر ، يطور الأطفال مهارات رمزية وحركية تساعدهم أو تتيح لهم متابعة سلوكيات أكثر تعقيدا . والفشل في تكوين أو تكاثر سلوك مقلد ينتج من انتباه غير كاف ، أو رمزية واحتفاظ غير ملائمين ، أو نقص في الاستعدادات الجسمانية أو المهارة أو التطبيق أو الحافز الغير مناسب أو أي فرع من هذه العمليات أو الأشياء جميعا ).

 التعزيز في نظرية التعلم الاجتماعي

  • التعزيز الخارجي

وهو التعزيز الذي يصدر عن الاخرين ولكن على العكس من بافلوف وسكنر ودولارد وميلر الذين يعتقدون ان التعزيز الخارجي يتضمن امداد الفرد بمعلومات تزيد دافعيته . والا لن يكون مؤثراً وفعالاً او يصبح الناس مثل طواحين الهواء يتحركون باراده الاخرين وليس بإرادتهم الخاصة .

وهكذا يؤكد باندورا عدم اقتناعه بأهمية التعزيز الخارجي وحده بقوله ” ان افضل ما توصف به فكرة تقوية الاستجابة انها خيال ، فالنتائج تحدث تغييراً شديدا في السلوك الانساني عن طريق تأثيرها الضاغط من الافكار . ومن الضروري ان يكون التغير المعرفي من الفرد ذاته وليس مملى عليه لانه لو تم تعزيز ايجابي لبعض الاستجابات المعقدة فإن احتمالية حدوثها لن تزيد حتى لو تأكد الافراد من مصادر معلوماته اخرى في نفس السلوكيات سوف تنال التعزيز في المستقبل .

قد وافق بندورا على فكرة المقاومة المتنامية ضد الانطفاء التي تنتج عن التعزيز الجزئي او عن التوقع بأن جهود الفرد سوف تحقق النجاح في النهاية . واعاد تعريف المعززات الثانوية مثل الموافقة والمدح والنقود بأنها مثيرات محايدة قبل ان تكتسب قيمتها التنبؤية .

  • التعزيز الذاتي Self-Reinfor

لايكتفي بندورا بدور التعزيز الذاتي في سلوك تنظيم الذات  بل انه يرى انه اكثر اهمية من التعزيز الخارجي كالدافع للسلوك فيقول ” يعد سلوك تعزيز الذات اكثر فعالية من التعزيز الخارجي فعمليات تعزيز الذات في نظريات التعلم تزيد من قوة ومصداقية مبادئ التعزيز اذا طبقت في مجال المهن الانسانية . وتكمن طريقة التعلم الاجتماعي من تحقيق زيادة فعلية في طاقة الناس وقدرتهم على تنظيم مشاعرهم وافكارهم.

ويرجع ذلك الى ان الناس لاينظمون سلوكهم وانجازاتهم بناءً على معايير خارجية فقط ، ولكن ينظمونها ايضاً بناءً على معاييرهم الذاتية الداخلية ، ولذلك فإن سلوكنا مرهون كذلك بقدرتنا على تحقيق هذه المعايير او ما يسمى بالحكم الذاتي . ولذلك فنحن قد نكافئ او نعاقب ذاتنا على مقدار ما حققناه من نجاح ، لذلك فإنه يرى اننا اقل اعتماداً على التعزيز الخارجي (الا في مرحلة الطفولة) وكلما تقدم بنا السن تظهر الحاجة اكثر للاعتماد على التعزيز الداخلي .(الجبوري و المعموري ،2019،199 )  

(ج)   التعزيز البديلي  Vicarious Reinforcement

تشير الدراسات الى اننا كانٍانيين ذوي طبيعة اجتماعية نقتدي دائما بافعال الاخرين و مواقفهم و سلوكياتهم التي يترتب عليها مكافأة او اثابة من اي نوع ، كما اننا نتجاهل و نتجنب الافعال و المواقف و السلوكيات التي يترتب عليها نوع من العقاب او اللوم . و هذه الخاصية هي التي تنظم و تضبط سلوكياتنا تجاه الاحداث و الوقائع الناس و الاشياء و الموضوعات . و الواقع ان قضية الاقتداء بالفعل او الافعال التي تكافأ من الاخرين و تجاهل او تجنب الفعل او الافعال التي تعقبه ليست قضية بسيطة حيث يقترح باندورا ( ستة ميكانزمات تنظيمية او وظائف من خلالها تكون فاعلية التعزيز البديلي ( VR ) و تأثيره على افكار و شعور و افعال الملاحظين و هذه الوظائف هي :

الوظيفة الاعلامية :يشير الى ان المتعلم من خلال ملاحظة ما يحدث للنموذج نتيجة سلوك معين يوجه سلوكه الخاص او الذاتي وفقا لهذه النتائج ( فالطالب الذي يلاحظ ما تعرض له زميله من تأنيب و لوم و الخجل والعقوبات الخارجية التي تلقاها نتيجة اهماله و رسوبه في احدى مواد الفصل الدراسي – هذا الطالب الملاحظ سوف يحرص على الا يضع نفسه في مثل هذا الموقف و غيره من المواقف المماثلة ) .

 الوظيفة الدافعية : تقوم على استثا رة توقعات الملاحظ نتيجة مشاهدة التعزيزات التي يتلقاها الاخرون .  ( الطالبة التي ترى استاذتها تحظى بالاحترام و التقدير و ارتفاع المستوى الثقافي و الاجتماعي فان الطالبة تسعى جاهده للاقتداء بالنموذج و محاكاته ) .

 وظيفة التعلم الانفعالي : يقوم على استثارة الانفعالية التي تحدث عادة في مواقف التعلم بالملاحظة .( الطفل الذي يشاهد بعض مواقف الخوف او العدوان او القلق او الشجاعة و النبل التي يتعرض لها النموذج يكتسب بعض من هذه الخصال في ضوء النتائج و التعزيزات السلبية او الايجابية المترتبة على اي منها) .

وظيفة القابلية للتأثر : تقوم هذا الوظيفة على رفع درجة تأثر المتعلم او الملاحظ و ثقته في الحصوله على التعزيزات و ذلك من خلال ملاحظة استجابات النموذج لتلك التعزيزات ( الطالب الذي يلاحظ زميله في قمة السعادة و الفرح وسط مشاعر من تقدير و تحقيق الذات لحصول على تقدير ممتاز في احد المقررات الصعبة – هذا الطالب الملاحظ سوف يحرص على الحصول على مثل هذه التعزيزات من خلال الاقتداء بزميله المتفوق ) .

  وظيفة  تعديل مكانة : تقوم هذا الوظيفة على ان المكانة او الوضع الاجتماعي للنموذج يمكن ان يرتفع او ينخفض على مكافاة السلوك الاقتدائي او معاقبته .و من ثم يسعى الملاحظ الى محاكاة ما يرفع هذه المكانة و تجنب ما يعمل على تخفيضها . فعندما يكافح فريق كرة القدم و يحرز الانتصار بعده انتصار على غيره من الفرق و من ثم يرقى الى مكانه اجتماعية مرموقة ، تسعى فرق الاندية الاخرى على محاكاته و الحصول على مثل هذه المكانه الاجتماعية .

 الوظيفة القيمية : تشير هذا الوظيفة الى المواقف التي من خلالها تعزز القيم التي تنعكس في سلوك النموذج و من ثم يكسب الفرد الملاحظ هذه القيم المعززة التي يعكسها سلوك النموذج . فمثلا يمكن ان تصدر عن النموذج بعض الانماط السلوكية المرغوبة كالتفوق الاكاديمي و بذل الجهد من اجل الحصول على تقدير مرتفع – و يمكن ان يحدث هذا في اطار يقوم على التنافس الحر و الاستجابات الموضوعية من المدرس او في اطار من تحيز المدرس و عدم موضوعيته . وهنا يتوقف اكتساب القيمة المصاحبة لسلوك النموذج على تقييم الملاحظ لها . ( الزيات ، 2004، 377-379 )

العوامل المؤثرة في التعلم بالملاحظة :

  1. يميل المتعلم الى تقليد الاشخاص ذو الجابية العالية او الشخصيات المهمة .
  2. يميل المتعلم الى تقليد الاشخاص ذو القدرات العالية و الاداء الملحوظ . و الذين يتميزون بالتفوق في الاداء .
  3. يميل المتعلم الى تقليد الاشخاص المتشابهين في الاهتمامات و الميول ، و النماذج الحية اكثر من النماذج المتلفزة .

 

فعالية الذات المدركة Perceived Self – Efficacy

تتأثر سلوكياتنا وتفضيلاتنا بالطريقة التي تدرك بها فعاليتنا المحتملة في مواجهة ضغوط ومتطلبات البيئة وهو ما اطلق عليه بندورا الفعالية المدركة للذات . فالناس يميلون لان يأخذوا على عاتقهم اداء المهام التي يستطيعون انجازها بالفعل بينما يتجنبون الانشطة التي ينظرون اليها على انها تفوق قدراتهم ، فالأشخاص الذين يعتقدون ان لديهم فعالية ذات مرتفعة اكثر اصراراً على مواجهة المعوقات والخبرات المنفرة ، في حين ان الاشخاص الذين يعتقدون ان لديهم فعالية ذات منخفضه يميلون لان يرو مشاكلهم على انها مخيفة ومفزعة على خلاف ما هي عليه في الواقع ومن ثم يتراخون ويتجنبون مواجهة هذه ألمشكلات وبدرجة معقولة من الاعداد يمكن التغلب على نقص الثقة ، اضف الى ذلك ان هؤلاء الذين يثقون في فاعليتهم بدرجة معتدلة يتوصلون الى انه بالعمل الجماعي والتعاون ينجح في احداث التغييرات المطلوبة في المجتمع وتعبئة جهودهم ومواردهم لتحقيق الذات .

وعلى الرغم من ان نظرية التعلم الاجتماعي تعرف مفهوم الذات الموجب بأنه ميل لدى الفرد للحكم على ذاته بصورة طيبة ومفهوم الذات السلبي بأنه ميل الفرد لنقد ذاته والتقليل من شأنها وقيمتها  . ولقد توصل باندورا الى ان مفهوم الذات لدى الفرد تختلف درجته من مجال لآخر مثل (المجال الدراسي ، المواقف الاجتماعية ، الجهود الابتكارية ) ويرى ضرورة دراسة هذه الجوانب بصورة منفصلة كل على حدة .

يعرف باندورا فعالية الذات بأنها قدرة الفرد على التخطيط وممارسة السلوك الفعال الذي يحقق النتائج المرغوبة في موقف ما . والتحكم في الاحداث والمواقف المؤثرة في حياته واصدار التوقعات الذاتية الصحيحة عن قدرة الفرد على القيام بمهام وانشطة معينة والتنبؤ بمدى الجهد ومدى المثابرة المطلوبة لتحقيق ذلك العمل او النشاط.

وفعالية الذات وضعه باندورا كميكانزم معرفي يسهم في تغيير السلوك وطبقاً لذلك فأن درجة الفعالية تحدد السلوك المتوقع الذي يقوم فيه الفرد في مواجهة المشكلات كما تحدد كمية الطاقة المبذولة للتغلب على تلك المشكلات، وهي بذلك لاتحدد نمط السلوك فحسب ولكنها تحدد اي انماط السلوك اكثر فعالية .    

يشير باندورا الى معتقدات الافراد حول قدرتهم على كبح او تنظيم تصرفاتهم الهامة في حياتهم باعتبارها ادراك هؤلاء الافراد لفعالية الذات لديهم . فكل فرد لديه نمط فريد من فعالية الذات المدركة والتي تؤثر وتحدد الانشطة التي يقوم بها او يتحاشها، ان سلوك الفرد طبقاً لنظرية التعلم الاجتماعي لاتحكم فقط قدرة الفرد المدركة على انجاز السلوك بل بحكمه ايضاً الاثر المتوقع من انجاز او تحقيق هذا السلوك .

ويرى باندورا ان مفهوم فعالية الذات من المفاهيم التي تحتل مركزاً رئيسياً في تحديد وتفسير القوة الانسانية . ففعالية الذات المدركة تؤثر في انماط التفكير والتصرفات الاثارة العاطفية. فكلما ارتفعت فعالية الذات ارتفع بالتالي الانجاز وانخفضت الاستثارة الانفعالية .

ويشير باندورا الى ان احدى الوظائف الرئيسية للتفكير هي مساعدة الافراد على التنبؤ بوقوع الاحداث وابتكار طرق السيطرة عليها ، ان الكثير من الانشطة تتضمن احكاماً استدلالية حول العلاقات الشرطية بين الاحداث في البيئة الاجتماعية ، ان حسن التمييز بين القواعد متعددة الابعاد التي تحتوي على كثير من الغموض وعدم التحديد يتطلب احساساً قوياً بفعالية الذات ليظل الفرد موجهاً نحو الهدف في مواجهة فشل الاحكام التي يصدرها . والناس الذين يثقون بقوة في قدرتهم على حل المشكلات يكونوا على كفاءة عالية في تفكيرهم التحليلي في المواقف المعقدة لصناعة القرارات بينما يكون على النقيض من ذلك هؤلاء الذين يعانون من شكوك ذاتية في فعاليتهم . ( الجبوري ، المعموري ،2017) 

 التطبيقات التربوية للنظرية :

اولا: تنمية العادات و القيم و الاتجاهات و المثل لدى الافراد من النموذج الحسن ، و استخدام النماذج المختلفة التي تمارس مثل هذه العادات و القيم .

ثانيا : تنميةالمهارات الفنية و الحركية و الرياضية و المهنية و الحرفية وغيرها من خلال استخدام العروض و النماذج المختلفة ، مع اتاحة الفرصة للافراد في ممارسة هذه المهارات و تزويدهم بالتغذية الراجعة .

ثالثا : علاج الكثير من الاضطرابات الانفعالية كالخجل و الانطواء و غيرها من خلال استخدام الغروض و النماذج .

رابعا : علاج بعض اضطرابات النطق مثل عدم اللفظ الصحيح ، التأتأة و غيرها .

خامسا : تهذيب السلوك و ضبطه لدى الافراد من خلال عرض نماذج تعاقب على مثل هذه السلوكات .

سادسا : اثارة دافعية الافراد للسلوك من خلال عرض نماذج تعزز على انماط سلوكية معينة . ( الزغول والهنداوي ،2014 ، 228 )

المصادر :

انيتا ول فوك (2010) : علم النفس التربوي  ، ترجمة ابو علام ،صلاح الدين  ، الطبعة الاولى ، دار الفكر.

الجبوري ، علي محمود و المعموري ،علي حسين ، (2017) : قراءات في دراسات الشخصية .

الزغول ، عماد عبد الرحيم والهنداوي ،علي فاتح ( 2014) : مدخل الى علم النفس ، دار الكتاب الجامعي ، الطبعة الثامنة ، الامارات العربية المتحدة .

الزيات ، فتحي (2004) : سيكولوجية التعلم بين المنظور الارتباطي و المنظور المعرفي ، دار النشر للجامعات ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، مصر .

العتوم ، عدنان يوسف و اخرون (2008 ) : علم النفس التربوي النظري و التطبيق ، دار المسيرة للنشر ، الطبعة الثانية ،عمان ، الاردن .

Ar.m.wikipedia.org الموسوعة الحرة  /// تسجيل دخول 16-11-2018        

D.H.Schunk,1999,Educational Psychologist,p.34.p.221 Lawrence ErIbaum Associates,Inc and the author.

x